جمعية البنوك اليمنية - صنعاء بتاريخ: 2025/10/15
رغم الهدوء الظاهري في الأسواق المالية العالمية، كشف صندوق النقد الدولي في أحدث تقاريره عن "أرض متحركة تحت سطح هادئ" تهدد الاستقرار المالي العالمي، نتيجة تزايد مواطن الضعف الهيكلي والضغوط الناشئة عن السياسات التجارية، وارتفاع الديون السيادية، واتساع دور المؤسسات المالية غير المصرفية.
وفي إصداره لشهر أكتوبر 2025 من تقرير الاستقرار المالي العالمي، أشار الصندوق إلى أن المخاطر على النظام المالي العالمي لا تزال مرتفعة، رغم تيسير الأوضاع المالية وعودة تقييمات الأصول إلى مستويات مرتفعة.
أسعار الأصول تتجاوز الأساسيات: هل التصحيح قادم؟
ويشير التقرير إلى أن أسعار الأصول الخطرة أصبحت مرة أخرى مرتفعة مقارنة بالأساسيات الاقتصادية، في تجاهل واضح من قبل الأسواق للآثار السلبية المحتملة لقرارات التعريفات الجمركية على النمو والتضخم، ويضيف أن التصحيح المفاجئ في الأسواق يمكن أن يتفاقم بسبب التشابك المالي الكبير بين الأصول والمؤسسات.
الدين الحكومي... منقذ أم عبء؟
وتحول الدين من القطاع الخاص إلى الحكومي يعتبر إحدى العلامات المقلقة، إذ دفع اتساع العجز المالي إلى زيادة إصدار السندات السيادية، ورغم أن الاقتصادات المتقدمة ما تزال تعتمد على المستثمرين المحليين، إلا أن الاعتماد على فئة المستثمرين الحساسين لسعر الفائدة قد يعرض الأسواق لموجات بيع مفاجئة.
وفي الأسواق الصاعدة، تزايد الاعتماد على التمويل المحلي وتراجعت حصة الديون بالعملة الأجنبية، لكن هذا التحول رافقته هشاشة جديدة ناتجة عن الترابط المتزايد بين البنوك والحكومات.
المؤسسات غير المصرفية: لاعب متنامٍ ومصدر محتمل للعدوى
ويلفت التقرير إلى أن المؤسسات المالية غير المصرفية، مثل صناديق الاستثمار وشركات التأمين، تلعب دورًا متعاظمًا في أسواق السندات، هذا الترابط المتزايد مع البنوك قد يجعل النظام المالي أكثر عرضة لنقل العدوى في حال حدوث صدمات.
وفي سيناريوهات الضغط المالي، يُظهر التقرير أن ما يقرب من 21% من البنوك العالمية قد تنخفض رؤوس أموالها إلى ما دون الحد الأدنى المطلوب، إذا تأثرت المؤسسات غير المصرفية بصدمات مفاجئة.
سوق العملات الأجنبية: سيولة عميقة لكنها هشة
ويشير الفصل الثاني من التقرير إلى أن سوق الصرف الأجنبي، رغم كونها السوق الأكبر والأكثر سيولة في العالم، تواجه ضغوطًا متزايدة في أوقات عدم اليقين الاقتصادي، مما يؤدي إلى اتساع فروق الأسعار وزيادة التقلبات، خاصة في ظل عدم التوافق في العملات وتوسع استخدام المشتقات.
ومع النمو السريع في استخدام العملات الرقمية المستقرة، ولا سيما تلك المرتبطة بالدولار الأمريكي، يحذر التقرير من ثلاثة مخاطر رئيسية:
- إحلال العملات المحلية وما لذلك من آثار على فعالية السياسات النقدية.
- تغير هيكل سوق السندات التقليدية.
- احتمالية البيع القسري للأصول الاحتياطية في حال انسحاب المستثمرين بشكل جماعي.
- توصيات الصندوق: سياسات يقظة وأطر قوية
ويقدم صندوق النقد مجموعة من التوصيات الحاسمة لصناع القرار:
- الحفاظ على استقلالية البنوك المركزية للسيطرة على التضخم.
- الإسراع في إصلاح المالية العامة لخفض العجز والدين العام.
- تطبيق معايير "بازل 3" وتعزيز الإشراف على المؤسسات غير المصرفية.
- تطوير أسواق الدين المحلي وتوسيع قاعدتها الاستثمارية.
- تنظيم العملات الرقمية المستقرة ضمن أطر رقابية واضحة ومتناسقة عالميًا.
كما يدعو التقرير إلى تعزيز شبكات الأمان المالي العالمية وتوسيع خطوط التبادل بين البنوك المركزية، وإجراء اختبارات ضغط دورية على السيولة الأجنبية للبنوك.
وفي ظل تفاؤل الأسواق وهدوئها النسبي، يبعث صندوق النقد برسالة تحذيرية: "الهدوء الحالي قد يكون خادعًا، والأسواق مطالبة بعدم التهاون في مواجهة التحديات المتراكمة."
فعالم المال اليوم يقف على أرض متحركة، والاستقرار الحقيقي لن يتحقق إلا من خلال يقظة السياسات، وانضباط الأسواق، وتعاون دولي واسع يعكس طبيعة النظام المالي العالمي المترابط.
الأهرام